سورة الملك - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
تَبارَكَ تفاعل من البركة وقد تقدم.
وقال الحسن: تقدس. وقيل دام. فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه. {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} أي ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة.
وقال ابن عباس: بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع.
وقال محمد بن إسحاق: له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها من خالفه. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من إنعام وانتقام.


{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ} قيل: المعنى خلقكم للموت والحياة، يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة، لان الموت إلى القهر أقرب، كما قدم البنات على البنين فقال: {يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً} [الشورى: 49].
وقيل: قدمه لأنه أقدم، لان الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه.
وقال قتادة: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء». وعن أبي الدرداء أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لو ثاب». المسألة الثانية: الْمَوْتَ وَالْحَياةَ قدم الموت على الحياة، لان أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه، فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم قال العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار. والحياة عكس ذلك. وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل: أن الموت والحياة جسمان، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء- وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها- خطوتها مد البصر، فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي. وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي. حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس. والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي. قلت: وفي التنزيل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]، {وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ (الأنفال: 50) ثم تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا} [الأنعام: 61]، ثم قال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها} [الزمر: 42]. فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم. وهو سبحانه المميت على الحقيقة، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط، حسب ما ورد به الخبر الصحيح. وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر. والله أعلم. وعن مقاتل أيضا: خلق الموت، يعني النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة، يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا. قلت: وهذا قول حسن، يدل عليه قوله تعالى لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وتقدم الكلام فيه في سورة الكهف.
وقال السدي في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أي أكثر كم للموت ذكرا وأحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا.
وقال ابن عمر: تلا النبي صلي الله عليه وسلم: {تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}- حتى بلغ- {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فقال: «أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله».
وقيل: معنى لِيَبْلُوَكُمْ ليعاملكم معا ملة المختبر، أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، وبالحياة ليبين شكره.
وقيل: خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء. فاللام في لِيَبْلُوَكُمْ تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت، ذكره الزجاج.
وقال الفراء والزجاج أيضا: لم تقع البلوى على أي لأن فيما بين البلوى وأي إضمار فعل، كما تقول: بلوتكم لأنظر أيكم أطوع. ومثله قوله تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: 40] أي سلهم ثم انظر أيهم. ف أَيُّكُمْ رفع بالابتداء وأَحْسَنُ خبره. والمعنى: ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا. {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه ممن عصاه. {الْغَفُورُ} لمن تاب.


{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3)}
قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً} أي بعضها فوق بعض. والملتزق منها أطرافها، كذا روي عن ابن عباس. وطِباقاً نعت ل سَبْعَ فهو وصف بالمصدر.
وقيل: مصدر بمعنى المطابقة، أي خلق سبع سموات وطبقها تطبيقا أو مطابقة. أو على طوبقت طباقا.
وقال سيبويه: نصب طِباقاً لأنه مفعول ثان. قلت: فيكون خَلَقَ بمعنى جعل وصير. وطباق جمع طبق، مثل جمل وجمال.
وقيل: جمع طبقة.
وقال أبان بن تغلب: سمعت بعض الاعراب يذم رجلا فقال: شره طباق، وخيره غير باق. ويجوز في غير القرآن سبع سموات طباق، بالخفض على النعت لسماوات. ونظيره {وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ} [يوسف: 46]. {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ} قراءة حمزة والكسائي {من تفوت} بغير ألف مشددة. وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه. الباقون مِنْ تَفاوُتٍ بألف. وهما لغتان مثل التعاهد والتعهد، والتحمل والتحامل، والتظهر والتظاهر، وتصاغر وتصغر، وتضاعف وتضعف، وتباعد وتبعد، كله بمعنى. وأختار أبو عبيد {من تفوت} واحتج بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر: أمثلي يتفوت عليه في بناته!
النحاس: وهذا أمر مردود على أبي عبيد، لان يتفوت يفتات: بهم وتفاوت في الآية أشبه. كما يقال تباين يقال: تفاوت الامر إذا تباين وتباعد أي فات بعضها بعضا. ألا ترى أن قبله قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً}. والمعنى: ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين- بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها- وإن اختلفت صوره وصفاته.
وقيل: المراد بذلك السموات خاصة، أي ما ترى في خلق السموات من عيب. وأصله من الفوت، وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل لقلة استوائها، يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنه: من تفرق.
وقال أبو عبيدة: يقال: تفوت الشيء أي فات. ثم أمر بأن ينظروا في خلقه ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته: فقال: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ} أي أردد طرفك إلى السماء. ويقال: قلب البصر في السماء. ويقال: اجهد بالنظر إلى السماء. والمعنى متقارب. وإنما قال: فَارْجِعِ بالفاء وليس قبله فعل مذكور، لأنه قال: {ما ترى}. والمعنى أنظر ثم أرجع البصر هل ترى من فطور، قاله قتادة. والفطور: الشقوق، عن مجاهد والضحاك.
وقال قتادة: من خلل. السدي: من خروق. ابن عباس: من وهن. وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق. قال الشاعر:
بنى لكم بلا عمد سماء *** وزينها فما فيها فطور
وقال آخر:
شققت القلب ثم ذررت فيه *** هواك فليم فالتأم الفطور
تغلغل حيث لم يبلغ شراب *** ولا سكر ولم يبلغ سرور

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8